فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

وقرأ حمزة والكسائي {إلا ساحر} فالإشارة إلى عيسى عليه الصلاة والسلام، وجعل الإشارة إليه على القراءة الأولى وتأويل السحر بساحر لتتوافق القراءتان لا حاجة إليه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف {إلاّ ساحر}.
والإشارة إلى عيسى المفهوم من قوله: {إذْ جئتهم بالبيّنات}.
ولا شك أنّ اليهود قالوا لعيسى كلتا المقالتين على التفريق أو على اختلاف جماعات القائلين وأوقات القول. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد الماوردي في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ...} وإنما ذكَّر الله عيسى عليه السلام نعمته عليه على والدته، وإن كان لهما ذاكرًا لأمرين:
أحدهما: ليتلو على الأمم ما خصه به من الكرامة ومَيّزَه به من علو المنزلة.
والثاني: ليؤكد به حجته ويرد به جاحده.
ثم أخذ تعالى في تعديد نعمه فقال: {إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ} يعني قويتك، مأخوذ من الأيد وهو القوة، وروح القدس جبريل، والقدس هو الله تعالى تقدست أسماؤه.
وتأييده له من وجهين:
أحدهما: تقويته على أمر دينه.
والثاني: معونته على دفع ظلم اليهود والكافرين له.
{تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا} أما كلامه لهم في المهد إنما اختص بتعريفهم حال نبوته، {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيَنَمَا كُنتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًا} [مريم: 30- 31].
وكلامه لهم كهلًا دعاؤهم إلى ما أمر الله به من الصلاة والزكاة، وذلك حين صار ابن ثلاثين سنة وإن كان مبعوثًا حين ولد، فمكث فيهم ثلاثين سنة ثم رفعه الله، ولم يبعث الله نبيًا حين ولد غيره ولذلك خصه الله بالكلام في المهد صبيًا.
ثم قال تعالى: {وَإِذْ عَلَّمْتُك الكِتَابَ} وفيه تأويلان:
أحدهما: يريد الخط.
والثاني: يريد الكتب فعبر عنها بالكتاب إرادة للجنس.
ثم فصل فقال تعالى: {وَالْحِكْمَةَ} وفيها تأويلان:
أحدهما: أنها العلم بما في تلك الكتب.
والثاني: أنها جميع ما يحتاج إليه في دينه ودنياه.
ثم قال تعالى: {وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ} يريد تلاوتهما وتأويلهما.
ثم قال تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونَ طَيْرًا بِإِذنِي} يعني بقوله: {تَخْلُقُ} أي تفعل وتصور من الطين مثل صورة الطير، لأن الخلق فعل لكن على سبيل القصد والتقدير من غير سهو ولا مجازفة ولذلك وُصِفَتْ أفعال الله تعالى بأنها مخلوقة لأنها لا تكون إلا عن قصد وتقدير ووصفت بعض أفعال العباد بأنها مخلوقة إذا كانت مقدرة مقصودة ولم توصف جميعها بهذه الصفة لجواز كون بعضها سهوًا أو مجازفة.
وقوله تعالى: {فَتَنفُخُ فِيهَا} يعني الروح، والروح جسم.
وفي المُتَوَلِّي لنفخها وجهان:
أحدهما: أنه المسيح ينفخ الروح في الجسم الذي صوره من الطين كصورة الطير.
والثاني: أنه جبريل.
وقوله تعالى: {فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي} يعني أن الله تعالى يقلبها بعد نفخ الروح فيها لحمًا ودمًا، ويخلق فيها الحياة، فتصير طيرًا بإذن الله تعالى وأمره، لا بفعل المسيح.
ثم قال تعالى: {وَتُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي} أي تدعوني أن أبرئ الأكمه والأبرص، فأجيب دعاءك وأبرئهما، وهو فعل الله تعالى، وإنما نَسَبَهُ إلى المسيح مجازًا لأن فعله لأجل دعائه.
ثم قال تعالى: {وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي} يعني واذكر نعمتي عليك، إذ تدعوني أن أحيي الموتى، فأجيب دعاءك، حتى تخرجهم من القبور أحياء، ونسب إليه ذلك توسعًا أيضًا لأجل دعائه، ويجوز أن ينسب إخراجهم إليه حقيقة، لأن إخراجهم من قبورهم بعد إحياء الله لهم يجوز أن يكون من فعل المسيح.
قال الكلبي: والذين أحياهم من الموتى رجلان وامرأة. اهـ.

.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
قوله عز وجل: {إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك}.
يحتمل أن يكون العامل في {إذ} فعلالً مضمرًا تقديره اذكر يا محمد إذ جئتهم بالبينات و{قال} هنا بمعنى يقول، لأن ظاهر هذا القول أنه في القيامة تقدمه لقوله أنت قلت للناس، وذلك كله أحكام لتوبيخ الذين يتحصلون كافرين بالله في ادعائهم ألوهية عيسى، ويحتمل أن تكون {إذ} بدلًا من قوله: {يوم يجمع الله} [المائدة: 109] ونعمة الله على عيسى هي بالنبوءة وسائر ما ذكر وما علم مما لا يحصى، وعددت عليه النعمة على أن أمه إذ هي نعمة صائرة إليه وبسببه كانت، وقرأ جمهور الناس {أيّدتك} بتشديد الياء، وقرأ مجاهد وابن محيصن {آيدتك} على وزن فاعلتك ويظهر أن الأصل في القراءتين {أيدتك} على وزن أفعلتك، ثم اختلف الإعلال، والمعنى فيهما قويتك من الأيد، وقال عبد المطلب:
الحمد لله الأعز الأكرم ** أيدنا يوم زحوف الأشرم

و{روح القدس} هو جبريل عليه السلام، وقوله: {في المهد} حال كأنه قال صغيرًا {وكهلًا} حال أيضًا معطوفة على الأول. ومثله قوله تعالى: {دعانا لجنبه أو قاعدًا أو قائمًا} [يونس: 12] والكهولة من الأربعين إلى الخمسين. وقيل هي من ثلاثة وثلاثين، و{الكتاب} في هذه الآية: مصدر كتب يكتب أي علمتك الخط. ويحتمل أن يريد اسم جنس في صحف إبراهيم وغير ذلك. ثم خص بعد ذلك التوراة {والإنجيل} بالذكر تشريفًا، و{الحكمة}: هي الفهم والإدراك في أمور الشرع، وقد وهب الله الأنبياء منها ما هم به مختصون معصومون لا ينطقون عن هوى. قوله تعالى: {وإذ} في هذه الآية حيث ما تكررت فهي عطف على الأولى التي عملت فيها نعمتي، و{تخلق} معناه: تقدر وتهيئ تقديره مستويًا، ومنه قول الشاعر:
ولأنت تفري ما خلقت وبع ** ض القوم يخلق ثم لا يفري

أي يهيئ ويقدر ليعمل ويكمل ثم لا يفعل، ومنه قول الآخر:
من كان يخلق ما يقو ** ل فحيلتي فيه قليله

وكان عيسى عليه السلام يصور من الطين أمثال الخفافيش ثم ينفخ فيها أمام الناس فتحيا وتطير بإذن الله. وقد تقدم هذا القصص في آل عمران. وقرأ جمهور الناس {كهيئة} بالهمز، وهو مصدر من قولهم هاء الشيء يهاء إذا ثبت واستقر على أمر حسن، قال اللحياني: ويقال «يهيء» وقرأ الزهري {كهيّة} بتشديد الياء من غير همز وقرأ أبو جعفر بن القعقاع {كهيئة الطائر}. والإذن في هذه الآية كيف تكرر معناه التمكين مع العلم بما يصنع وما يقصد من دعاء الناس إلى الإيمان. وقوله تعالى: {فتنفخ فيها} هو النفخ المعروف من البشر وإن جعل الله الأمر هكذا ليظهر تلبس عيسى بالمعجزة وصدورها عنه.
وهذا كطرح موسى العصا. وكإيراد محمد عليه السلام القرآن. وهذا أحد شروط المعجزات. وقوله: {فيها} بضمير مؤنث مع مجيء ذلك في آل عمران {فأنفخ فيه} [آل عمران: 49] بضمير مذكر موضع قد اضطرب المفسرون فيه قال مكي: هو في آل عمران عائد على الطائر وفي المائدة عائد على الهيئة، قال ويصح عكس هذا، قال غيره الضمير المذكر عائد على الطين.
قال القاضي أبو محمد: ولا يصح عود هذا الضمير لا على الطير ولا على الطين ولا على الهيئة لأن الطين والطائر الذين يجيء على الطين على هيئة لا نفخ فيه البتة، وكذلك لا نفخ في هيئته الخاصة بجسده النفخ في الصور المخصوصة منه التي رتبتها يد عيسى عليه السلام، فالوجه أن يقال في عود الضمير المؤنث إنه عائد على ما تقتضيه الآية ضرورة، وذلك أن قوله: {وإذ تخلق من الطين كهئية الطير} يقتضي صورًا أو أجسامًا أو أشكالًا، وكذلك الضمير المذكر يعود على المخلوق الذي يقتضيه {تخلق}، ولك أن تعيده على ما تدل عليه الكاف في معنى المثل لأن المعنى وإذ تخلق من الطين مثل هيئة، ولك أن تعيد الضمير على الكاف نفسه فيمن يجوِّز أن يكون اسمًا في غير الشعر، وتكون الكاف في موضع نصب صفة للمصدر المراد تقديره وإذا تخلق خلقًا من الطين كهيئة الطير وقرأ عبد الله بن عباس كهيئة الطير فتنفخها فيكون وقرأ الجمهور {فتكون} بالتاء من فوق وقرأ عيسى بن عمر فيها {فيكون} بالياء من تحت، وقرأ نافع وحده {فتكون طائرًا} وقرأ الباقون {طيرًا} بغير ألف والقراءتان مستفيضتان في الناس.
فالطير جمع طائر كتاجر وتجر وصاحب وصحب وراكب وركب. والطائر اسم مفرد والمعنى على قراءة نافع فتكون كل قطعة من تلك المخلوقات طائرًا قال أبو علي: ولو قال قائل إن الطائر قد يكون جمعًا كالجامل والباقر فيكون على هذا معنى القراءتين واحدًا لكان قياسًا، ويقوي ذلك ما حكاه أبو الحسن من قولهم طائرة فيكون من باب شعيرة وشعير، وتمرة وتمر وقد تقدم القول في الأكمه والأبرص وفي قصص إحيائه الموتى في آل عمران، و{تخرج الموتى} معناه من قبورهم، وكف بني إسرائيل عنه عليه السلام هو رفعه حين أحاطوا به في البيت مع الحواريين ومن أول ما منعه الله منهم هو الكف إلى تلك النازلة الآخرة فهنالك ظهر عظم الكف و{البينات} هي معجزاته وإنجيله وجميع ماجاء به، وقرأ ابن كثير وعاصم هنا وفي هود والصف {إلا سحر} بغير ألف، وقرأ حمزة والكسائي في المواضع الأربعة {ساحر} بألف فمن قرأ سحرًا جعل الإشارة إلى البينات والحديث وما جاء به، ومن قرأ ساحرًا جعل الإشارة إلى الشخص إذ هو ذو سحر عندهم وهذا مطرد في القرآن كله حيثما ورد هذا الخلاف. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله عز وجل: {إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك}.
قال بعضهم: إن إذ قال الله تعالى: يا عيسى صلة لماذا أجبتم ولما كان المراد بقوله للرسل ما أجبتم توبيخ الأمم ومن تمرد منهم على الله وكان أشد الأمم احتياجًا وافتقارًا إلى التوبيخ والملامة النصارى الذين يزعمون أنهم أتباع عيسى عليه السلام ووجه ذلك أن جميع الأمم إنما كان طعنهم في أنبيائهم بالتكذيب لهم وطعن هؤلاء النصارى تعدي إلى جلال الله تعالى حيث وصفوه بما لا يليق بجلاله من اتخاذ الزوجة والولد.
ذكر الله في هذه الآية أنواع نعمه على عيسى عليه السلام التي تدل على أنه عبد وليس بإله والفائدة في ذكر هذه الحكاية تنبيه النصارى على قبح مقالتهم وفساد اعتقادهم وتوكيد الحجة عليهم.